التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التكنولوجيا هي مفتاح دمج المكفوفين في المجتمع - حوار مع محمد أبو طالب

أمام البوابة الرئيسية لجامعة سوهاج، التقينا الناشط الحقوقي الشاب، ومدرب الكمبيوتر بمركز نور البصيرة للمكفوفين: محمد أبو طالب، وبخطوات واثقة مثيرة للذهول، قادنا إلى مكتبه الخاص في مبنى المركز الملحق بالجامعة، مستخدمًا عصاه البيضاء الصغيرة، والتي بدت وكأنها عديمة الفائدة أمام بصيرته وقدرته الفائقة على التنبؤ بما أمامه، وهكذا أكملنا طريقنا إلى المكتب حيث ألقى السلام على بعض المارة والجلوس الذين استطاع أن يميزهم بسهولة، وبعد أن رحب بنا ترحيبًا كريمًا، بدأنا معه هذا الحوار الثري، حول التكنولوجيا والإعاقة، الموسيقى والأمل، المستقبل والحياة العملية، فإلى نص الحوار..


  • بدايةً، كيف تحب أن تعرف القراء بنفسك؟
اسمي محمد صابر علي أبو طالب، من مواليد محافظة سوهاج، عام ١٩٨٨، ولدت كفيفًا، في أسرة تربوية حيث كان كلا والداي معلمَّين، أنهيت تعليمي الأساسي والثانوي في مدارس النور للمكفوفين، وبالرغم من تفوقي في الثانوية العامة، بالإضافة إلى رغبتي الشديدة في دراسة الحقوق، لم أتمكن من الالتحاق بالكلية بسبب اللاوئح التي تمنع قبول المكفوفين، اتجهت بعدها إلى كلية الآداب وأنهيت دراستي بقسم الدراسات الإسلامية، نظرًا لكونه أحد الأقسام القليلة جدًا المتاحة للمكفوفين، ثو توجهت إلى كلية التربية حيث أنهيت ثلاث دبلومات، عامة ومهنية ومتخصصة، وأعكف الآن على كتابة رسالة الماجيستير الخاصة بي في مجال التربية، إلى جانب عملي مدربًا على الكمبيوتر والتكنولوجيا بمركز نور البصيرة، كما أعمل جاهدًا من خلال مدونتي الإلكترونية ووسائل التواصل الإجتماعي وحتى الإعلام المرئي، على التوعية بحقوق المكفوفين وذوي الإعاقة، وأهمية تدريبهم وتأهليهم ليكونوا جزءًا حقيقيًا وهامًا من المجتمع وليس عالةً عليه.
  • كيف كانت نشأتك؟ ومتى بدأت علاقتك بالكمبيوتر والتكنولوجيا؟
يرجع الفضل في ذلك -بعد نعمة الله سبحانه- إلى والدي، كما يرجع إليه الفضل في كل ما أنا عليه الآن، حيث اعتاد والدي أن يعاملني كشخص صحيح تمامًا لا أعاني من أي إعاقة، بل كان يتعمد أن يعرضني لتحديات صعبة بل وشبه مستحيلة، مع الاستمرار في تشجيعي وإخباري بأنني قادر على إنجاز أي شيء، فمثلًا  عندما أتممت عامي الخامس، اشترى لي والدي دراجة، في البداية كان يرافقني ولكن ما إن تمكنت منها ومن الإحساس بالطريق والأصوات من حولي، حتى أخبرني أنه لن يرافقني ثانية وأنني مضطر إلى الاعتماد على نفسي، وبالرغم من أنني أدركت لاحقًا أنه كان يراقبني من بعيد، إلا أن هذا الأسلوب كان له التأثير الأقوى على شخصيتي، حيث أدركت وقتها على حداثة سني، أن عماي لا يستطيع إعاقتي من إنجاز أي شيء، طالما تمسكت بالصبر والتحدي.
وعلى نفس النهج بدأت علاقتي بالكمبيوتر والتكنولوجيا في الصف الثالث الثانوي، عندما ابتاع لي والدي جهاز كمبيوتر كمكافأة على تفوقي الدراسي، في البداية كان الأمر صعبًا ولكن بعد مجهود طويل في التدرب والممارسة، أصبحت قادرًا على استخدام الكمبيوتر أفضل حتى من بعض الأصحاء.


  • من وجهة نظرك، ما هي الأهمية الرئيسية للوسائل التكنولوجية الرقمية الخاصة بالمكفوفين؟
الوسائل التكنولوجية الحديثة هي مفتاح الدمج الحقيقي للمكفوفين في المجتمع، خصوصًا في العصر الحالي، عصر الإنترنت وسرعة التواصل وتداول المعلومات، فقد فتحت هذه الوسائل أبواب المعرفة على مصراعيها أمام المكفوفين، كما حافظت على مفهوم استقلالية الكفيف ولم تفرط فيه، وحتى تتضح الصورة، يمكننا أن نجري مقارنة سريعة مثلًا  بين حال شاب كفيف قبل وبعد انتشار الوسائل التكنولوجية الحديثة: في الماضي كانت مصادر المعلومات المتاحة لذلك الشاب تقتصر على المناهج الدراسية بالإضافة إلى عدد محدود جدًا من المطبوعات التي طُبعت على طريقة برايل، أو ما يعتمد فيه على مساعدة أهله وذويه في تحصيله، أما الآن فقد أصبح للكفيف القدرة على الدخول إلى شبكة الإنترنت والاستفادة من مزاياها بشكل كامل، كالقيام بالأبحاث العلمية ومطالعة ما يشتهيه عقله من الكتب، بالإضافة إلى تمكينه من التواصل والتفاعل الاجتماعي الذي يؤهله ليكون جزءًا حقيقيًا من المجتمع لا ينفصل عنه، معتمدًا على نفسه فقط دون الحاجة إلى مساعدة من أحد.


  • ما هي تلك التطبيقات والوسائل بالتحديد؟ وكيف يمكن للأشخاص المكفوفين استخدامها والاستفادة منها؟  
التطبيقات الرقمية المساعدة للمكفوفين كثيرة ومتعددة، ولكن أهمها وأكثرها شيوعًا هي تطبيقات قراءة الشاشة وتطبيقات الـ«OCR» المسؤولة عن قراءة محتوى الصور.
وإذا بدأنا من تطبيقات قراءة الشاشة فهي ميزة موجودة في أغلب الأجهزة الحديثة بداية من الهواتف الذكية وحتى أجهزة الكمبيوتر المكتبية والمحمولة، وتقوم بتحويل أي شيء على الشاشة إلى صوت مسموع، وذلك باستخدام لوحة المفاتيح أو مؤشر الماوس، وبالطبع نقر الإصبع في الهواتف الذكية، وتختلف جودة قاريء الشاشة ودقته باختلاف نظام التشغيل، فمثلًا  قاريء الشاشة المستخدم في أنظمة التشغيل التابعة لشركة «Apple»: الـ«IOS» والـ «Mac OS»، هو القاريء الأفضل على الإطلاق، يتلوه مباشرة قاريء نظام التشغيل «Android»، ويأتي في النهاية قاريء نظام التشغيل «Windows»، والذي يعتبر بدائيًا بعض الشيء، إلا أنه يمكن الاستعاضة عنه بتطبيقات أخرى متاحة على شبكة الإنترنت.
أما عن تطبيقات الـ«OCR» فهي تطبيقات متاحة على شبكة الإنترنت وفي المتاجر الرقمية، بعضها يكون مجانيًا والبعض الآخر يتوجب شراءه، وهي مسؤولة عن قراءة محتوى الصور، وتستخدم آليات مختلفة من أهمها تقنية الذكاء الاصطناعي والتي تساعد التطبيق على التعرف بدقة على محتوى الصورة وقراءته، كما تدعم الكثير من منصات التواصل الاجتماعي هذه الميزة، أهمها منصة فيس بوك التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، وتويتر الذي فعّلها مؤخرًا باستخدام آلية وصف الصورة.


  • على ذكر آلية وصف محتوى الصورة في موقع تويتر، كان لك دورُ هام في تفعيل هذه الميزة، أخبرنا عنه؟
نعم كان ذلك قبل عامين عندما كتبت سلسلة من التغريدات بهذا الشأن، مطالبًا إدارة الموقع بتفعيل ميزة وصف محتوى الصورة للمكفوفين، مستخدمًا في ذلك وسم ‹هاشتاج›: "#شرح_الصور_للمكفوفين" باللغتين العربية والإنجليزية، وسرعان ما تحول هذا الوسم إلى حملة إلكترونية تفاعل معها آلاف المستخدمين حول العالم، ولم يمض وقت طويل حتى أعلنت إدارة الموقع استجابتها للحملة وأعلنت عن تفعيل ميزة إمكانية إضافة وصف محتوى الصور التي يشاركها المستخدمون بسعة ٤٥٠ حرفًا، ويكون هذا الوصف مستقلًا  عن التغريدة الأصلية ولا يظهر إلا لقاريء الشاشة الخاص بالمكفوفين.


  • حدثنا عن مركز نور البصيرة وعن كيفية التحاقك للعمل به؟
تأسس مركز نور البصيرة لتدريب المكفوفين بجامعة سوهاج في مطلع العام ٢٠٠٩، وهو جزء من مبادرة كانت مقدمة من وزارة الاتصالات إلى مختلف الجامعات المصرية تهدف إلى توفير أجهزة وتقنيات خاصة لتدريب وتأهيل المكفوفين، في ذلك الوقت كنت طالبًا في الجامعة وسمعت عن تأسيس المركز، ونظرًا لتمرسي على الكمبيوتر تقدمت بطلب لتوظيفي كمدرب في المركز وبالفعل تم قبولي بعد إجراء عدة اختبارات وأصبحت جزءًا من هذا الصرح الذي يقدم خدماته لعشرات الطلاب سنويًا، منها خدمات التدريب على الكمبيوتر، وخدمة المكتبة المسموعة بالإضافة إلى خدمات الترجمة وطباعة برايل وغيرها الكثير.


  • بعيدًا عن التكنولوجيا والحياة العملية، حدثنا عن هواياتك في وقت فراغك؟
أمارس العديد من الهوايات في وقت فراغي، وقد يستغرب القراء من بعضها، فكثيرًا ما أحب ركوب الدراجات، والتصوير، خاصة تصوير شروق الشمس وغروبها على نهر النيل، فأنا رغم إعاقتي ما زلت قادرًا على الشعور بجمال آشعة الشمس وهي تعانق نهر النيل مع صوت انسياب المياه، ونسمات الهواء تعانق الأشجار، وبعد تدريب طويل على استخدام حواسي الأخرى أصبحت قادرًا على التقاط صورٍ واضحة ومتناسقة لعناصر هذا المنظر، حيث أجد أنه من الجميل مشاركة هذا الشعور مع أصدقائي على مواقع التواصل الاجتماعي. وبالإضافة إلى ركوب الدراجات و التصوير، فإنني أهوى الموسيقى عزفًا وسماعًا، أعشق الموسيقى الكلاسيكية العربية، وأستمتع بالعزف على آلتي العود والأكورديون.


  • حدثنا عن أهدافك ورؤيتك للمستقبل؟

في الوقت الحالي أهدافي تتلخص في إنهاء رسالة الماجيستير، كما أعمل على تأليف كتاب متخصص في شؤون المكفوفين، وآمل أن أنتهي منه لأطرحه في معرض الكتاب للعام القادم، أما عن المستقبل فلا أجيد التفكير فيه، لأنه غالبًا ما يأتي على عكس التوقعات، جل ما أعرفه، وأريد أن يعرفه كل المكفوفين بل وكل متحدي الإعاقات، أنه مهما تفاجأنا الحياة، فإن الصبر والتحدي والأمل قادرون دائمًا على تخطي كل الصعاب.

حوار - مشروع تخرج: مجلة «إرادة» - لم يُنشر 
 أبريل ٢٠١٨

تعليقات