التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

تقنيةُ البؤس

كنت أتساءل كثيرًا، لماذا تعتلي الكآبة وجوه هؤلاء؟ كيف تنعقد ألسنتهم فلا تستطيع تعبيرًا، ومن أين يأتي هذا السواد تحت أعينهم؟ لماذا أصبح البؤس هو السمة الوحيدة التي تضفي على صاحبها رونق الحداثة والمعاصرة؟ قد يبدو أنه من الصعب كثيرًا دراسة الحالة النفسية لجيلٍ كامل، وخصوصًا إذا وضعنا في الاعتبار طبيعة معطيات هذا العصر، عصر العولمة والانفتاح، فمن المعروف أن العقل البشري ما هو إلا حاسوب يتمتع بمرونة فائقة، وماذا يفعل الحاسوب غير تحليل المعطيات إلى نواتج، وتحويل المدخلات البسيطة إلى مخرجات ذات قيمة؟ إذًا تخيل معي حاسوبًا أُدخلت إليه بشكل مفاجئٍ أعدادٌ لا نهائية من الأوامر في الوقت ذاته وعلى جميع المستويات، إن حدوث الخلل هنا أمرٌ طبيعي وحتمي، لكن الوقوف أمام هذا الخلل وانتظاره ليصلح نفسه هو ما أراه غير منطقي. من أجل ذلك سنحاول محاكاة هذا المثال على جيلٍ من الشباب تعرض لمثل تلك الظروف على عدة مستويات، لذلك، إذا كنت من مواليد التسعينات أو أوائل الألفية، ولديك شعور بالكآبة لا تعرف مصدره، فإن هذا الموضوع سيحاول الدخول إلى أعماقك، وتقصي ما وراء مشاعرك، ونأمل أيضًا أن لا تسبب محاولات كشف غموض
آخر المشاركات

"قليل من الذكاء.. كثير من الإرادة"

طالبان مصريان في المرحلة الثانوية، عانيَا ما عانيَاه من سلبيات النظام التعليمي ونَمطيته، وفطِنا في سنهم المبكرة تلك إلى متطلبات المستقبل، فَرفضا الاستسلام للواقع المرير، وبدلًا  من الندب والشكاية، راودهُما حلم بناء منظومة تعليمية بديلة، تؤهل الشباب تأهيلًا حقيقيًا إلى أسواق العمل، وتزوّدهم بمتطلبات المستقبل، فأسّسا منظمة «Teens Club» أو نادي المراهقين كمنظمة غير حكومية وغير هادفة للربح، وهما فقط في السادسة عشر من عمرهما. كان ذلك في شهر فبراير من العام ٢٠١٣، كما يخبرنا سيف طارق -٢٠ عامًا، طالب في الشعبة الإنجليزية بكليّة الحقوق- وعلي عبد العظيم -٢٠ عامًا، طالب في كلية طب الأسنان- عندما شرَعا في تنفيذ مشروعِهما بعد أن استطاعا الحصول على شراكة المعهد الثقافي البريطاني من خلال مشاركتهما كأصغر المشاركين في المبادرة التي أطلقها المعهد في ذلك الوقت تحت اسم "صوت الشباب العربي". ويحدثنا سيف عن الهدف الرئيسي للمنظمة فيقول: نَستهدف الفئة العمرية من سن ١٥ وحتى ٢٣ عام، وهدفنا الرئيسي هو خلق مساحة بديلة وآمنة ومحببة للمراهقين، ليس فقط بغرض التدرب والتعلم وإنما بغرض تنمية حس المشار

"الفن وَسيلتي لمقاومة الجمود" أحمد طارق

في صباح كل يوم يستقل أحمد طارق -طالب الهندسة ذو الثلاثة وعشرين عامًا- دراجته البخارية، ويتجه إلى قلب وسط البلد -حيث وقعت الأحداث الأكثر تأثيرًا على شخصيته-، يفتتح متجره: «ق»، ويبدأ يومًا جديدًا من المقاومة. وتتمحور طبيعة المكان حول الموسيقى المستقلة أو ما يُطلق عليه "الأندرجراوند ميوزيك"، فبمجرد دخولك تستطيع أن تستمع وتستمتع بكلمات وأنغام هذا اللون من الموسيقى، كما تستطيع أن تجد في «ق» تشكيلة واسعة من المقتنيات والملابس والديكورات يدوية الصنع والتي تحوي رموزًا وشعاراتٍ ورسوماتٍ تعبرعن هذا النوع الجديد من الفنون. أحمد طارق مؤسس متجر «ق» "«ق» يعني قاوم"، يقول أحمد، موضحًا أنّه يسعى من خلال متجره ومعروضاته إلى مقاومة ثقافة التقليدية والجمود السائدة في المجتمع، ونشر روح التجديد والأصالة والإبداع، معتبرًا أن الموسيقى المستقلة أصدق ما يمكن أن يعبّر عن هذه الروح، كما يسعى إلى مقاومة الغربة التي يشعر بها في المجتمع هو وأمثاله من خلال بيع هذه المعروضات حيث يقول: "بفرح جدًا لما بشوف حد لابس تي شيرت مكتوب عليه جملة من أغنية مستقلة، وبحس إنّي مش لوحدي، ونفسي كل ا

طريق الصنعة.. على أنغام أم كلثوم

عندما نتحدث عن الحرف والمشروعات الصغيرة فأول ما نستدعيه لأذهاننا هي الجدوى الاقتصادية، ونظراً للحالة الاقتصادية العامة في البلاد وتحديداً في الفترة الحالية؛ فقد تبدو الصورة للوهلة الأولى قاتمةً بعض الشيء، بيد أنه إذا ألقينا نظرة متفحصة على الأحوال المالية لمعظم أصحاب الحرف فقد نجد الصورة مختلفة قليلًا  عن المتوقع، بل إن البعض قد نجح بالفعل في تحويل هذه الحرف إلي مشروعات كبيرة بل وضخمة في بعض الأحيان. وبوجه عام فإن كل ما تحتاجه عند اتخاذك لقرار الانخراط في ممارسة هذه الحرفة أو تلك، هو الفهم الواسع لمتطلبات السوق الحالية والمستقبلية، وأيضاً الإلمام بأصول وقواعد هذه الحرفة ومدى قابليتك للتمكن منها وإجادتها بحد أدنى يسمح لك بالظهور والاستمرار في سوق هذه الحرفة، بالإضافة إلى القليل من الذكاء التجاري بطبيعة الحال. الحاج جمال موسى -أحد أشهر حرفيي الجبس في منطقة الهرم- استهل حديثه كالعادة بالتحدث عن أحوال البلد في ظلّ الظروف الاقتصادية الحالية قائلاً: "الحمدلله احنا لاقيين ناكل، بس في غيرنا مش لاقي"، ثم انخرط في أحاديث فرعية متفرقة، عن التاريخ والموسيقى والأدب، حدثنا عن كامل

ثقافةٌ.. من نوع آخر

"شوف يابني، إذا مكنتش هتعمل اللي بتعمله صح، يبقى بلاش منه أكرملك، الحياة أقصر من أنك تضيعها في حاجة نص نص." قالها بحزم، ولما استشعر أنني لم أدرك المغزى تماماً استطرد موضحا وهو يخلط بيديه معجون الجبس: "غاية الحياة ليست في جني المكاسب والتطلع للمزيد، إذ المكاسب هي مجرد وسيلة للمساعدة على الاستمرار، إنما الغاية الوحيدة هي الكمال، وطالما أنت على قيد الحياة، فلتسع للوصول إلى غايتك"، أدهشني كثيراً عمق إدراكه، فتسائلت مبتسماً "أنت بتقرأ في الفلسفة ولا إيه؟"، وعندما انفجر الرجل في الضحك، أدركت مدى القصور الذي يعتري رؤيتي. ففي الحقيقة لم يحتاج الحاج جمال حتى يدرك غاية وجوده إلى مطالعة مخطوطات أفلاطون، أو إلى دراسة فرضيات برتنارد راسل، أو إلى مراجعة إثباتات رامانوجان عن مفهوم اللانهائية، فقد وجد الرجل فلسفة حياته بالفعل -و بقدر ما يبدو الأمر بسيطاً- في قعر وعاء خلط الجبس خاصته. إن غياب تلك الحقيقة عن أذهان الكثيرين من أبناء الطبقة "المثقفة" كما يطلقون على أنفسهم من منطلق شوفيني فج، يؤدي بنا الآن إلى سباق تسلح ثقافي مجنون، فارغُ من أهدافه بقدر هيستيري

"أسبوع شباب الجامعات".. مبادرة أم مجاملة؟

استضافت جامعة المنيا أسبوع شباب الجامعات الأول لمتحدي الإعاقة، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، والدكتور خالد عاطف عبد الغفار وزير التعليم العالى والبحث العلمى، والدكتور جمال الدين على أبو المجد رئيس الجامعة، بمشاركة أكثر من ٢٠٠٠ طالب من متحدي الإعاقة من مختلف الجامعات الحكومية، وقد شملت فعاليات الأسبوع العديد من الأنشطة الرياضية والثقافية والفنية والعلمية. وبالرغم من كون هذه المبادرة التي تقدمت بها جامعة المنيا في إطار الاستجابة لإعلان الرئيس السيسي لعام ٢٠١٨ عامًا لمتحدي الإعاقة، بالتأكيد خطوة محمودة وتحرك ملحوظ في سبيل دعم متحدي الإعاقة، وتعزيز ثقتهم في أنفسهم وقدرتهم على مواجهة كافة تحديات الحياة، إلا أنه ومع كامل الاحترام لكافة الجهود المبذولة، ثمة بعض الأسئلة التي لا بد أن نسألها لأنفسنا حتى نتمكن من رسم خطوط عريضة، تساعدنا على تقييم تلك المبادرة أو غيرها، وتوجيه الجهود المبذولة في الاتجاه الصحيح والطريق الأمثل، في إطار السعي لتحقيق حياة كريمة حقيقية، تخلو من التمييز وتنعم بالاستقلالية التامة، لجميع ذوي الاحتياجات الخاصة. والسؤال الأول هو: هل توجد سياسة

المساعدة القضائية: حِمْلٌ آخر.. يثقل ظهور متحدي الإعاقة

الاستقلالية، المساواة، والأهلية الكاملة: مفاهيم أساسية كان ينبغي أن تكون مرجعًا أساسيًا ومحورًا تبنى عليه القوانين المصرية فيما يتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ولكنها غابت اليوم عن أذهان الكثيرين، إلا أولئك الذين ما زالوا يعانون من غيابها، ويناضلون في سبيل تحقيقها. وبالرغم من أن مصر كانت من أوائل الدول الموقعة والمصدقة على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والتي تنص نصًا صريحًا في البند الثاني من المادة ١٢ على: " تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بأهلية قانونية كاملة على قدم المساواة مع الآخرين في جميع مناحي الحياة."، إلا أن القانون المصري ما زال به من العوار ما يدحض كل ادعّاء بتحقيق تلك المساواة بين الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم. فعلى سبيل المثال نجد في القانون المدني المصري فيما يتعلق بأهلية الأشخاص ذوي الإعاقة وتحديدًا الصم والبكم والمكفوفين ما يلي: المادة ١١٧: البند الأول: "إذا الشخص أعمى، أو أصم أبكم، أو أعمى أصم، أو أعمى أبكم، وتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن إرادته، جاز للمحكمة أن تعين له مساعدًا قضائيًا يعاونه في التصرفات التي تقتضى مصلحته فيها ذلك."،