التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المساعدة القضائية: حِمْلٌ آخر.. يثقل ظهور متحدي الإعاقة

الاستقلالية، المساواة، والأهلية الكاملة: مفاهيم أساسية كان ينبغي أن تكون مرجعًا أساسيًا ومحورًا تبنى عليه القوانين المصرية فيما يتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ولكنها غابت اليوم عن أذهان الكثيرين، إلا أولئك الذين ما زالوا يعانون من غيابها، ويناضلون في سبيل تحقيقها.
وبالرغم من أن مصر كانت من أوائل الدول الموقعة والمصدقة على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والتي تنص نصًا صريحًا في البند الثاني من المادة ١٢ على: "تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بأهلية قانونية كاملة على قدم المساواة مع الآخرين في جميع مناحي الحياة."، إلا أن القانون المصري ما زال به من العوار ما يدحض كل ادعّاء بتحقيق تلك المساواة بين الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم.
فعلى سبيل المثال نجد في القانون المدني المصري فيما يتعلق بأهلية الأشخاص ذوي الإعاقة وتحديدًا الصم والبكم والمكفوفين ما يلي:
المادة ١١٧: البند الأول: "إذا الشخص أعمى، أو أصم أبكم، أو أعمى أصم، أو أعمى أبكم، وتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن إرادته، جاز للمحكمة أن تعين له مساعدًا قضائيًا يعاونه في التصرفات التي تقتضى مصلحته فيها ذلك."، وفي البند الثاني من نفس المادة: "ويكون قابلًا للإبطال كل تصرف من التصرفات التي تقررت المساعدة القضائية فيها، متى صدر من الشخص الذى تقررت مساعدته قضائيًا بغير معاونة المساعد، إذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار المساعدة."
أما البند الأول من المادة ١٧٣ فينص على: "كل من يجب عليه قانونًا أو اتفاقًا رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة، بسبب قصره أو بسبب حالته العقلية أو الجسمية يكون ملزمًا بتعويض الضرر الذى يحدثه ذلك الشخص للغير بعمله غير المشروع. ويترتب هذا الالتزام ولو كان من وقع منه العمل الضار غير مميز."
والحقيقة أن هذه النصوص وإن كانت تبدو في ظاهرها منطقية وضرورية، إلا أنها فتحت المجال للعديد من الممارسات والقيود التي تضرب بمفاهيم الاستقلالية والأهلية عرض الحائط، من قبل مؤسسات خاصة وحكومية على حد سواء.
وعن هذه الممارسات يخبرنا محمد أبو طالب -مدون وناشط حقوقي كفيف، ومدرب حاسب آلي للمكفوفين بمركز نور البصيرة التابع لجامعة سوهاج-: "اضطرتني الظروف إلى أن أسعى لفتح حساب بنكي، طرقت أبواب 15 بنكًا وكانت الإجابة المحزنة هي أنه لا يحق لي فتح حساب بنكي إلا بشرط وهو أن يعين لي وصي على تصرفاتي -أو ما يعرف قانونيًا بمصطلح المساعد القضائي-، بحجة حمايتي من الاستغلال من قبل ضعاف النفوس."، موضحًا أن هذه الحجة واهية للغاية إذ تفترض في المقام الأول سوء نية الموظفين، مضيفًا أنه إذا أردنا حقًا حماية الكفيف من سوء استغلال حالته، فهناك الكثير من الحلول المعترف بها والمطبقة عالميًا من شأنها أن تحمي حقوقه وتحافظ على استقلاليته المادية والمعنوية في الوقت نفسه، ومنها على سبيل المثال تشكيل لجنة ثلاثية تضم الموظف المسؤول عن إجراء المعاملات وموظفًا من الشؤون القانونية وموظفًا من الهيئة الإدارية للبنك، وتكون مسؤولية هذه اللجنة متابعة جميع الإجراءات والتعاملات الخاصة بالشخص الكفيف، والتوقيع بشهادتهم على ما تم بالتاريخ والساعة والدقيقة.
ومن ناحيته أكد المتحدث الإعلامي باسم المجلس القومي لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة محمد سري، أن هذه القوانين بالفعل هي في صالح متحدي الإعاقة، وأنها وضعت في المقام الأول لحمايتهم من استغلال ضعاف النفوس، موضحًا أن الحلول المقترحة لا تضمن حقوقهم بشكل قطعي، ومضيفًا أن الحل البديل الوحيد هو انتداب مسؤول قضائي في كل مؤسسة لضمان حقوق الجميع، وهذا ما يصعب تطبيقه على أرض الواقع.
ويتفق أحمد مختار -رب الأسر الكفيف ذو الأربعين عامًا- مع رأي أبو طالب، حيث يخبرنا أن مفهوم المساعدة القضائية الوارد بالنصوص القانونية المذكورة أعلاه، يقتضي تعيين ولي أمر أو وصي على الشخص الكفيف، ولا تقتصر مسؤوليته فقط على المعاملات البنكية، وإنما يكون مسؤولًا عن كافة المعاملات المالية والشخصية الأخرى للكفيف، كالبيع والشراء والتنازل والتبرع والوصية والزواج، فمثلًا لا يحق للكفيف الزواج بدون حضور ولي أمره، وبعد الزواج تنتقل ولاية أمره إلى الزوجة، ومن ثم إلى أكبر الأبناء عند بلوغه سن الرشد، حتى أنه إذا ارتكب الكفيف مخالفة قانونية، فالإجراء المتبع الأول هو تحرير محضر إهمال ضد ولي أمره أو ما يعرف بمساعده القضائي.
ومن جهته يعتبر أبو طالب أن هذه القيود أقرب ما تكون إلى تلك المفروضة على القصّر والسفهاء وحتى المعاتيه غير المميزين كما ورد ذكرهم في نصوص القانون.
فعن أي مساواة نتحدث هنا؟ وأي مشاركة مجتمعية نأملها من أولئك الذين ينتقص الجميع من شأنهم يوميًا بحكم القانون؟

إن الأذى النفسي الواقع على ذوي الإعاقات جراء مثل تلك القوانين لهو أذىً يصعب حصره، فبدلًا من تذليل العقبات التي تعترض طريقهم إلى الاستقلالية والمساواة والمشاركة الفعالة، نضع أمامهم عقبات جديدة تزيد الطين بلّة، وتطفيء بداخلهم كل بارقة أملٍ في الحصول على حياة كريمة ومستقلة على قدم المساواة مع غيرهم، بعد أن ناضلوا وذويهم طويلًا  في انتظارها
تحقيق - مشروع تخرج: مجلة «إرادة» - لم يُنشر 
 أبريل ٢٠١٨

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التكنولوجيا هي مفتاح دمج المكفوفين في المجتمع - حوار مع محمد أبو طالب

أمام البوابة الرئيسية لجامعة سوهاج، التقينا الناشط الحقوقي الشاب، ومدرب الكمبيوتر بمركز نور البصيرة للمكفوفين: محمد أبو طالب، وبخطوات واثقة مثيرة للذهول، قادنا إلى مكتبه الخاص في مبنى المركز الملحق بالجامعة، مستخدمًا عصاه البيضاء الصغيرة، والتي بدت وكأنها عديمة الفائدة أمام بصيرته وقدرته الفائقة على التنبؤ بما أمامه، وهكذا أكملنا طريقنا إلى المكتب حيث ألقى السلام على بعض المارة والجلوس الذين استطاع أن يميزهم بسهولة، وبعد أن رحب بنا ترحيبًا كريمًا، بدأنا معه هذا الحوار الثري، حول التكنولوجيا والإعاقة، الموسيقى والأمل، المستقبل والحياة العملية، فإلى نص الحوار.. بدايةً، كيف تحب أن تعرف القراء بنفسك؟ اسمي محمد صابر علي أبو طالب، من مواليد محافظة سوهاج، عام ١٩٨٨، ولدت كفيفًا، في أسرة تربوية حيث كان كلا والداي معلمَّين، أنهيت تعليمي الأساسي والثانوي في مدارس النور للمكفوفين، وبالرغم من تفوقي في الثانوية العامة، بالإضافة إلى رغبتي الشديدة في دراسة الحقوق، لم أتمكن من الالتحاق بالكلية بسبب اللاوئح التي تمنع قبول المكفوفين، اتجهت بعدها إلى كلية الآداب وأنهيت دراستي بقسم الدراسات الإس