التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مناهجٌ تقتلُ إبداعَهم..



قد يصعب على البعض إدراك المعنى من إطلاق تعبير "ذوي القدرات الفائقة" على متحدي الإعاقة، بيد أنه إذا نظرنا بعين التفحص؛ سندرك أنه التعبير الأدق الذي يمكننا أن نصف به هؤلاء، ذلك أن الله عدلً لا يظلم أحدًا، وإذ يحرم أحد عباده -لحكمة في واسع إدراكه- من نعمةٍ أو حاسةٍ أو جارحة، فإنه يعوضّه مكانها من المواهب والقدرات الفائقة ما يكفيه ويغنيه به عن ما حُرم منه، وذلك عدل الله سبحانه، أما الظلم، فهو ما يتعرض له هؤلاء من تسطيح وطمس وتجاهل لهذه المواهب والقدرات يوميًا، دون أن يشعروا، أو يشعر بهم أحد.
ولذلك فقد كان مفتاح الحل لهذه المشكلة، هو إعادة النظر في المناهج التعليمية التي يتلقاها متحدو الإعاقة، ومدى تناسبها مع مختلف الفئات، وقدرتها على تنمية قدراتهم المختلفة.
وبعد دراسة متفحصة لأنواع المناهج التعليمية التي يتلقاها متحدوا الإعاقة، وجدنا أنها تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول، وهو يضم مناهج مدارس التربية الفكرية، التي توضع خصيصًا لمتحدي الإعاقة، حيث يفترض أن تناسب قدراتهم، وعن هذا النوع يخبرنا يوسف أحمد -والد الطفل عماد المصاب بمرض ضمور خلايا المخ- أن مناهج التربية الفكرية لا تختلف عن المناهج العادية بالقدر الذي يناسب كل فئة من الطلاب متحدي الإعاقة، والأدهى من ذلك أنها لا تخضع لمفهومي المرونة والتنوع، فهي مناهج مصمتة وضعت لجميع الطلاب على حد سواء، دون مراعاة الفروق والاختلافات بين قدرات كل فئة من فئات الطلاب متحدي الإعاقة، فضلًا  عن الفروق الفردية والاختلافات بين طلاب الفئة الواحدة.
أما النوع الثاني، فيضم المناهج المستخدمة في نظام التعليم الفردي، حيث يتلقى كل طالب المنهج التعليمي المناسب لحالته ولقدرته، مما يسمح بمعرفة نقاط قوته وإبداعه للتركيز عليها وتنميتها، ويضيف يوسف أن هذا النوع هو أفضل أنواع التعليم التي يمكن يتلقاها الطلاب متحدو الإعاقة، إلا أن عدد المدارس الفكرية التي تستخدم هذا النوع محدود للغاية، وجميعها مدارس خاصة، تكاليف الدراسة فيها باهظة ولا يقدر عليها الكثيرون.
أما النوع الثالث، فهو ما يستخدم فيما يعرف بمدارس الدمج، ومدارس الدمج هي مدارس عادية يرتادها الطلاب الأصحاء، ولكنها في الوقت نفسه تقبل الطلاب من ذوي القدرات الفائقة، وذلك بعد خضوعهم لاختبارات معينة، وبناءً على نتائج هذه الاختبارات يتقرر دخولهم مدرسة الدمج أم مدرسة التربية الفكرية، وبالطبع في هذه المدارس يتلقى الطلاب ذوي القدرات الفائقة نفس المناهج التعليمية التي يتلقاها الطلاب العاديون، ويقع على عاتق المعلم مسؤولية تبسيط المعلومات وشرحها بما يتناسب مع قدرات كل طالب، بالإضافة إلى وضع امتحانات -نصف ونهاية العام- خاصة بالطلاب من ذوي القدرات الفائقة.
وفاء محمد والدة الطفل محمد المصاب بمتلازمة والذي يتلقى تعليمه في أحد مدارس الدمج تقول: لا أجد فرقًا بين المنهج الذي يتلقاه ابني المصاب بمتلازمة داون وبين أخته في نفس المدرسة، حتى أنه وعلى غير المتوقع كان امتحان نصف العام المخصص لذوي القدرات الفائقة أصعب من الامتحان المخصص للطلاب العاديين.
كما عبرت هبة أحمد عن استيائها قائلةً: حزينة جدًا لأن ابنتي لا تجد مناهج تعليمية تناسب قدراتها، ولا تشعرها وتشعرني بالعجز.
أما سحر محمد فتقول أن أولياء الأمور يفضلون لأبنائهم مدارس الدمج لأن وجودهم مع الطلاب العاديين يساعد على دمجهم في المجتمع، وأيضًا يدعم ثقتهم في أنفسهم، إلا أن المناهج التعليمية مؤسفة للغاية فهي لا تأخذ الفروق الفردية بعين الاعتبار، وأن لكل طالب طريقته الخاصة في التعلم حتى بين الطلاب المصابين بنفس الإعاقة، كما تشكو من أن بعض المدرسين عادة ما يتجاهلوا شرح المعلومة بطريقة تتناسب مع الطلاب ذوي القدرات لأن ذلك يتطلب مجهودًا أكبر.
ومن ناحية أخرى قال مدرس رفض ذكر اسمه أن معظم مدارس الدمج غير مجهزة لاستقبال الطلاب ذوي القدرات الفائقة، فضلًا  عن أن معظم المعلمين غير مؤهلين للتعامل بالشكل السليم مع هؤلاء الطلاب، مما يلقي على الطلاب عبئًا جديدًا فوق عبء المناهج التي لا تناسب قدراتهم.

كل ذلك يدفعنا دفعًا للمطالبة الفورية بإعادة النظر في المنظومة التعليمية الخاصة بذوي القدرات الفائقة، فهي طريقهم الوحيد لمستقبل أفضل، من خلال تحقيق ذواتهم واكتشاف قدراتهم الخاصة والفريدة.


تقرير - مشروع تخرج: مجلة «إرادة» - لم يُنشر 
 أبريل ٢٠١٨

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التكنولوجيا هي مفتاح دمج المكفوفين في المجتمع - حوار مع محمد أبو طالب

أمام البوابة الرئيسية لجامعة سوهاج، التقينا الناشط الحقوقي الشاب، ومدرب الكمبيوتر بمركز نور البصيرة للمكفوفين: محمد أبو طالب، وبخطوات واثقة مثيرة للذهول، قادنا إلى مكتبه الخاص في مبنى المركز الملحق بالجامعة، مستخدمًا عصاه البيضاء الصغيرة، والتي بدت وكأنها عديمة الفائدة أمام بصيرته وقدرته الفائقة على التنبؤ بما أمامه، وهكذا أكملنا طريقنا إلى المكتب حيث ألقى السلام على بعض المارة والجلوس الذين استطاع أن يميزهم بسهولة، وبعد أن رحب بنا ترحيبًا كريمًا، بدأنا معه هذا الحوار الثري، حول التكنولوجيا والإعاقة، الموسيقى والأمل، المستقبل والحياة العملية، فإلى نص الحوار.. بدايةً، كيف تحب أن تعرف القراء بنفسك؟ اسمي محمد صابر علي أبو طالب، من مواليد محافظة سوهاج، عام ١٩٨٨، ولدت كفيفًا، في أسرة تربوية حيث كان كلا والداي معلمَّين، أنهيت تعليمي الأساسي والثانوي في مدارس النور للمكفوفين، وبالرغم من تفوقي في الثانوية العامة، بالإضافة إلى رغبتي الشديدة في دراسة الحقوق، لم أتمكن من الالتحاق بالكلية بسبب اللاوئح التي تمنع قبول المكفوفين، اتجهت بعدها إلى كلية الآداب وأنهيت دراستي بقسم الدراسات الإس